اهمية علم نفس النمو و الاتجاهاته


 علم :نفس النمو




 

أهمية علم نفس النمو

إن علم نفس النمو كفرع من فروع علم النفس له أهمية خاصة، حيث أنه يدرس الكائن البشري دراسة طويلة في مراحل تكوينه ونموه ونضجه وسلوكه وتعلمه، وسمات هذا النمو ومشكلاته وطرق علاجها، علاوة على سعيه لفهم طبيعة النمو السوي ومظاهره وأشكاله، والعقبات التي تحول دون ذلك، وتأثير البيئة عليه بدءا بالبيئة الرحمية و انتهاء بجميع أشكال تأثيرات هذه البيئة من أدوية وسنيات وحميات وأمراض بكافة أشكالها وطرق تنشئة اجتماعية وغيرها. إن معرفة خصائص نمو الطفل من كافة النواحي النفسية والاجتماعية والجسمية والعقلية وغيرها يساعد جميع المهتمين في هذا المجال من أطباء اختصاص وممرضين وأخصائي تربية خاصة وأخصائيين نفسيين وباحثين اجتماعيين ومصلحين اجتماعيين ورجال سياسة ودين و اقتصاد على فهم هذا الإنسان وفهم حاجته الاجتماعية والنفسية والترفيهية والمرضية و الأكاديمية وغيرها في كافة مراحل نموه إنه يقدم الترياق الشافي للمربين حيث يمكنهم من دراسة هذا الفرد ودراسة سلوكياته المختلفة ليتمكنوا من رسم سياساتهم الواقية والعلاجية ليستطيع تحقيق ذاته بين أفراد المجتمع الذي يعيش فيه إن فهم المراحل الإنمائية التي يمر بها الكائن الحي سوى كانت عقلية أو لغوية أو جسمية أو انفعالية أو حسية تساعد الآباء والأمهات ومختصين على توجيه الوجهة السليمة التي ينبغي أن يسير فيها، فأخصائي العيون يضع سياسته الوقائية والعلاجية بهدف أن ينمو سليم النظر وأخصائي النطق يسعى أن يكون نموه اللغوي سليما وأخصائي السمع يسعى لتحقيق نفس الغاية والأخصائي النفسي يسعى لأن ينمو هذا الفرد نموا سليما متكيفا مع نفسه ومع من هم حوله.

ويمكن تلخيص أهمية علم نفس النمو في النقاط التالية :

  معرفة النمو ومراحله ومظاهره وخصائصه التطورية بشكل عام.

  تحديد معايير النمو الجسمي والعقلي والانفعالي و الاجتماعي في جميع مراحل النمو.

  التحكم في العوامل العديدة المؤثرة في النمو.

  التنبؤ بمشكلات النمو والعمل على الوقاية منها ووضع أفضل الأساليب العلاجية للتعامل معها.

  التعرف على الخصائص السلوكية في المراحل المختلفة من عمر الإنسان للتعامل معها.

  دفع الإنسان لإكمال مراحل نموه بسلام ودفعها إلى الأمام واستثمار ما لديه من قدرات نمائية.

  تعديل السلوك البشري وغير المتكيف والناتج عن النمو غير السوي.

  بناء البرامج والمناهج التربوية وتكييف المدارس والغرف الصفية لصالح الأفراد الذين لديهم حاجات خاصة.

  تقديم التربية والبرامج الفردية لكل فرد حسب مشكلاته النمائية.

  توفير الوقت والجهد والمال على المهتمين في مجال الدراسات الإنسانية للحصول على المعلومات اللازمة لهم.

الاتجاهات النظرية في علم نفس النمو:

الاتجاه التحليلي :

تحدث فرويد عن مراحل نمو الطفل من النواحي الجنسية على اعتبار أن غريزة الجنس لها الدور الأكبر في سبب مشكلاته السلوكية و النمائية، من نكوص، وكبت وصراع نفسي، ويرى فرويد بأن أول هذه المراحل هي المرحلة الفمية، حيث يكون لدى الطفل ميلا كبيرا نحو سلوك المص، وإنه يتعرف على ما حوله بواسطة وضع الأشياء في فمه، والمرحلة الثانية هي السادية الفمية، حيث يبدأ الطفل بعض ثدي أمه، ثم مرحلة الكمون، ثم المرحلة الشرجية والقضيبية، ويرى فرويد بأن الطفل يشعر بحاجته للتبرز ويجد متعة كبيرة عند تخلصه من الفضلات، ويضيف فرويد بأن الطفل الذي تشبع لديه هذه المراحل أو إحداها يصبح عنده تثبيت Fixation على المرحلة التي لم تشبع، ويرى بأن مظاهر سلوك المص سوف يكون ظاهرا لدى الفرد في سلوك مص الإصبع، أو مضغ الأجسام أو وضع السجائر في فمه. ويرى فرويد بأن سلوك الفرد يتحدد بحاجته إلى إشباع غرائزه، فيكون سلوكه سويا إذا استطاع ذلك، ويكون سلوكا مرضيا إن هو فشل في تحقيق مستوى مناسب من الإشباع ويرى بأن عدم الإشباع يؤدي بالفرد لأن يكبت دوافعه في اللاشعور حتى تحين الفرصة المناسبة لإشباعها.

إن نمو الشخصية عند الطفل هي نتاج إنسجام قوى النفس الثلاث وهي الهو والأنا والأنا العليا، وهذا النمو هو حصيلة تفاعل الجوانب الفطرية أي كل ما هو موروث لدى الفرد من غرائز ودوافع بيولوجية مع البوادر الإجتماعية المتمثلة في سلطة الوالدين. يرى فرويد أنه منذ الولادة تتكون علاقة تفاعلية بين الطفل وأمه ضمن قيم أسرته وإطار مجتمعه العام، وأشار بأن سمات الطفل الشخصية تشكل وفق نمط التفاعل بين القيم الإجتماعية وغريزة الفرد وحاجته، وسوف نتطرق إلى جوانب النفس المؤثرة في شخصية الفرد وهي كما يلي :

  الهو : ويعتبر المخزن الغرائزي أو البيولوجي لجميع موروثات الفرد منذ ولادته، فهو يضم الدوافع الفطرية، ومحاولة إشباعها، و الهو محكوم وخاضع لمبدأ اللذة، ولا يلتزم بالواقع، أو المعايير الأخلاقية دون مراعاة لحاجات الآخرين فهو يتسم بالأنانية.

  الأنا : وهو الجانب الثّاني من الشخصية، ويتكون من خلال تفاعل الطفل و اتصاله التدريجي بعالمه الخارجي، وواقعه المحيط به، فهو يحس بالسرور إذا كان الاتصال جيدا، ويشعر بالأذى إذا كان سلوكه مخفيا، ويتأثر الأنا بالتربية والخبرات المؤلمة، وبأساليب التنشئة الاجتماعية، ووظيفته التوفيق بين متطلبات الهو والأنا الأعلى، فهو يحد من طموحات الهو ويسمح للهو بالإشباع في حدود ما يسمح به الواقع والظروف الإجتماعية. إن من مهماته أيضا هو تأخير مطالب الهو، وذلك يمكن إعتبار الأنا أداة تساعد الفرد على التكيف مع الواقع، ويقول فرويد بأن أنا الطفل تكون فجة لذلك يجب مساعدته حتى تقوى أناه ليستطيع التحكم في رغبات الهو وتحمل الألم المؤقت في سبيل لذة قادمة.

  الأنا الأعلى : هو الجانب الثالث الذي يمثل سلطة الوالدين، وقيم المجتمع، فهو ينشأ من الأنا ويمكن اعتباره هو المثل الأعلى والكفاح نحو النضج. إن الأنا الأعلى هو خليفة الوالدين في الطفل لأنه يتشرب قيمهما وعاداتهما بعد مرات عديدة من التمرّد والعصيان، ويرى فرويد بأن الأطفال في سن 3-6 سنوات يتشربون بالتدريج المستويات الخلفية لآبائهم ويشكل لديهم بما يسمى بالضمير ويشعرون بالذنب والخجل عند تجاوز قيم الوالدين الخلقية. إن الشخصية السوية عند فرويد تكمن في مدى تحقيق التوازن بين جوانب النفس الثلاثة وعدم إستبداد جانب على آخر، فتسلط الغرائز على الشخصية يسبب مشكلات وتسلط القيم على شخصية الفرد يخلق له مشكلات والإعتدال يكمن في الأنا وهي جسر العبور والتوفيق بين متطلبات الأنا الأعى والهو، ولذلك فالأنا هي المرشد والموجه لشخصية الفرد.

الإتجاه السلوكي في النمو: 

هذا الاتجاه هو اتجاه مخالف للاتجاه التحليلي السابق الذي يركز على الشعور واللاشعور، والغرائز، والحاجات الجنسية، أو على عوامل لا يمكن ملاحظتها كالكبت أو غيرها، ويركز على دور البيئة والتعليم والتدريب في النمو و النضج، وتكوين شخصية الفرد التي تتكون نتيجة اكتسابه لمجموعة معقدة من العادات خلال مراحل العمر ويمثل هذا الاتجاه عالم النفس السلوكي واطسن الذي يعول كثيرا على دور البيئة في حياة الإنسان حيث قال أعطوني 12 طفلا لأصنع منهم الطبيب والمهندس والمحامي والمجرم والشحاذ والفانّان والعالم واللص بالرغم من استعداداتهم الوراثية، ويرى بأن علماء النفس لا يضيعوا أوقاتهم في دراسة الإحساس والانفعالات ودراسة الاستبطان، لأن كل هذه الأمور من الصعب ملاحظتها وقياسها لذلك فإن عليهم أن يدرسوا المثيرات السلوكية التي تحدث استجابات لها ظروف بيئية موضوعية.

إن الإشراط الكلاسيكي يركز على حدوث استجابات من خلال تعرض الفرد أو الكائن الحي إلى مثيرات معينة، والمثير إما أن يكون طبيعيا كالطعام مثلا أو شرطيا مثل صوت الجرس أو المصباح الكهربائي، ويحدث التعلم نتيجة اقتران مثير طبيعي غير شرطي مع مثير غير طبيعي، مثل إقتران الطعام بصوت الجرس، كما فعل ذلك بافلوف مع الكلب، حيث قدم له الطعام أولا فسال لعابه نتيجة ذلك ثم أقرن سيلان اللعاب مع صوت الجرس لفترة زمنية محددة حتى أخيرا نزل لعاب الكلب في غياب الطعام المثير الطبيعي وبوجود المثير غير الطبيعي وهو صوت الجرس.

إنّ السلوكية تعتمد على قوانين التعلم ومبادئه، وترى بأن السلوك البشري والحيواني سلوك متعلم، ومن خصائص هذا السلوك أنه قابل للانطفاء والعودة التلقائية، والطفل في البداية يعمم استجاباته على كل مثير يشبه المثير الذي أحدث هذه الاستجابات، وهو يخاف الفأر ومن ثم يعمم استجابة الخوف على كل جسم له فرو كفرو الفأر، وبعد ذلك يتعلم الاستجابة الانتقائية، وهو يذهب إلى المدرسة عند سماعه جرس الباب لأنه لا يميز بين صوت جرس الباب من صوت جرس المدرسة، ولكنه عندما يكبر يسمع جرس الباب فلا يذهب إلى المدرسة. وترى هذه المدرسة بأن عادات الناس هي عادات متعلمة نتيجة تكرار سلوكاتها لاستجابات خاصة ذات علاقة بهذه العادات، فالناس يذهبون إلى حفلات الأعراس والمياتم نتيجة تكرار ذلك السلوك الذي يأخذ شكل العادة، ويرى دولارد وميللر بأن هناك ما يسمى بالمثير الرمز الذي قد يأخذ شكل أي رمز لأحداث السلوك، ومن ثم هناك المعزز الذي يحفز على حدوث ذلك السلوك المتعلق بالرمز، ومن ثم تحدث الاستجابات المعززة التي تصبح قوية بالتعزيز، فإذا عززت الاستجابات استمر حدوثها وبقائها واستمرارها في المواقف المشابهة، وأما إذا لم تعزز إختفت هذه الإستجابات، فالأطفال يتعلمون السلوك العدواني عند مشاهدتهم لنماذج عدوانية يشجعهم عليها والديهم، والنمذجة تحتاج إلى نموذج ليعلم المتعلم السلوك المرغوب في تعلمه، ويتحكم في ذلك الأهمية الشخصية لمنمذج السلوك، ومكانته الإجتماعية، وعمره، وتحتاج النمذجة إلى أن يكون المتعلم قادرا على الإنتباه والتركيز والإحتفاظ بما تعلمه، وقادرا على التقليد ونقل أثر ما تعلمه في المواقف الحياتية المشابهة. 

أما سيرز فيعرض وجهة نظره في ثلاث مراحل نمو هي :

- مرحلة السلوك الفطري الذي يرتكز على الحاجات البيولوجية الأولية، وهي تشمل الشهور الأولى من حياة الطفل عندما لا يملك الطفل خبرة بالبيئة في توجيه تعلمه وتكون خبرات الطفل خبرات غذائية تزداد علاقاتها بالمثيرات الفسيولوجية.

- مرحلة النظم الدافعية الثانوية التي ترتكز على التعلم في الأسرة وعلى التنشئة الإجتماعية في مرحلة الطفولة المبكرة داخل الدائرة الداخلية وهي بيئة الأسرة.

- مرحلة النظم الدفاعية الثانوية التي ترتكز على التعلم في نطاق أبوين في دائرة الأسرة حيث تمتد إلى دائرة خارجية أوسع في مجال تعليمي أكبر وذلك في مراحل ما بعد الطفولة المبكرة. 

الإتجاه المعرفي - بياجيه:

يهتم علم نفس النمو بدراسة تطور عقل الفرد على التفكير عندما كان وليدا حيث كانت سلوكاته مجرد سلوكات إنعكاسية إلى أن أصبح في مرحلة الرشد، ومن وجهة نظر بياجيه فإن هناك وظيفتان أساسيتان للتفكير تستمران مع عمر الإنسان وهما وظيفة التنظيم، ووظيفة التكيف، واعتبرهما بأنهما وظيفتان فطريتان تقودان نمو الفرد السلوكي. ويرى بأن جميع معارف الإنسان وما يستطيع القيام به في كل مرحلة نمائية من مراحل نموه هي معارف وأفعال تميل إلى أن تكون منظمة ومتكاملة، والتنظيم شرط لازم لوجود بناء معرفي لدى الفرد الذي يتكون من وحدات معرفية مترابطة ومتكاملة، وبدون الترابط والتكامل لن يكون هناك بناء معرفيا، فبواسطة النزعة الفطرية للتنظيم تنتظم وتترتب وتتناسق العمليات العقلية، أما وظيفة التكيف فهي مساعدة الفرد على التكيف، و الإنسجام مع 

البيئة المحيطة به، وإن لكل فرد طريقته الفريدة في التكيف. الأمر الذي يساعد على بقاء الفرد وبهذه الطريقة يكون بياجيه قد ربط بين العمليات النفسية والبيولوجية. فالإنسان بحاجة إلى تنظيم عملياته البيولوجية لكي تتناسق وتتكامل فيما بينها ليستطيع الفرد الإستمرار بها وبالتكيف مع البيئة.

ويرى بياجيه بأن التكيف يتكون من عمليتين متكاملتين هما التمثل والمواءمة و يقصد بياجيه بالتمثل هو نزعة الفرد في دمج معارف من العالم الخارجي في بناءه المعرفي ومحاولته على أن يغير من هذه المعارف لتتناسب مع معارفه، أما المواءمة فهي نزعة الفرد لأن يستجيب سلوكيا ليتلاءم ويتناسب سلوكه مع البيئة المحيطة به ويأخذ ذلك شكل تغيير الفرد لأنماط تفكيره لتتناسب مع الأنماط الفكرية السائدة في بيئته، ويتطلب ذلك أن يغير الفرد ما في نفسه ليتلاءم ذلك التغيير مع المثيرات البيئية الجديدة في بيئته، ويتطلب ذلك أيضا استبدال تفكيره ومعارفه القديمة بأفكار ومعارف جديدة ويكون ذلك عن طريق تفاعل حديثه الداخلي مع ما لديه من بناءات معرفية.

 

أحدث أقدم
Post it ART Creators